فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

سورة النور:
سميت هذه السورة سورة النور من عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
روي عن مجاهد قال رسول الله: «علموا نساءكم سورة النور» ولم أقف على إسناده.
وعن حارثة بن مضر: كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور.
وهذه تسميتها في المصاحف وكتب التفسير والسنة، ولا يعرف لها اسم آخر.
ووجه التسمية أن فيها آية: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
وهي مدنية باتفاق أهل العلم ولا يعرف مخالف في ذلك.
وقد وقع في نسخ تفسير القرطبي عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية.
في المسألة الرابعة كلمة وهي مكية يعني الآية.
فنسب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي وتبعه الآلوسي، إلى القرطبي أن تلك الآية مكية مع أن سبب نزولها الذي ذكره القرطبي صريح في أنها نزلت بالمدينة كيف وقد قال القرطبي في أول هذه السورة: مدنية بالإجماع.
ولعل تحريفا طرأ على النسخ من تفسير القرطبي وأن صواب الكلمة وهي محكمة أي غير منسوخ حكمها فقد وقعت هذه العبارة في تفسير ابن عطية، قال وهي محكمة قال ابن عباس: تركها الناس.
وسيأتي أن سبب نزول قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الآية.
قضية مرثد ابن أبي مرثد مع عناق.
ومرثد بن أبي مرثد استشهد في صفر سنة ثلاث للهجرة في غزوة الرجيع، فيكون أوائل هذه السورة نزل قبل سنة ثلاث، والأقرب، أن يكون في أواخر السنة الأولى أو أوائل السنة الثانية أيام كان المسلمون يتلاحقون للهجرة وكان المشركون جعلوهم كالأسرى.
ومن آياتها آيات قصة الإفك وهي نازلة عقب غزوة بني المصطلق من خزاعة.
والأصح أن غزوة بني المصطلق كانت سنة أربع فإنها قبل غزوة الخندق.
ومن آياتها {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآية.
نزلت في شعبان سنة تسع بعد غزوة تبوك فتكون تلك الآيات مما نزل بعد نزول أوائل هذه السورة وهذا يقتضي أن هذه السورة نزلت منجمة متفرقة في مدة طويلة وألحق بعض آياتها ببعض.
وقد عدت هذه السورة المائة في ترتيب نزول سور القرآن عند جابر ابن زيد عن ابن عباس.
قال: نزلت بعد سورة {إذا جاء نصر الله} وقبل سورة الحج، أي: عند القائلين بان سورة الحج مدنية.
وآيها اثنتان وستون في عد المدينة ومكة، وأربع وستون في عد البقية.

.أغراض هذه السورة:

شملت من الأغراض كثيرا من أحكام معاشرة الرجال للنساء.
ومن آداب الخلطة والزيادة.
- وأول ما نزلت بسببه قضية التزوج بامرأة اشتهرت بالزنى وصدر ذلك ببيان حد الزنى.
- وعقاب الذين يقذفون المحصنات.
- وحكم اللعان.
- والتعرض إلى براءة عائشة رضي الله عنها مما أرجفه عليها أهل النفاق، وعقابهم، والذين شاركوهم في التحدث به.
- والزجر عن حب إشاعة الفواحش بين المؤمنين والمؤمنات.
- والأمر بالصفح عن الأذى مع الإشارة إلى قضية مسطح بن أثاثة.
- وأحكام الإستئذان في الدخول إلى بيوت الناس المسكونة، ودخول البيوت غير المسكونة.
- وآداب المسلمين والمسلمات في المخالطة.
- وإفشاء السلام.
- والتحريض على تزويج العبيد والإماء.
- والتحريض على مكاتبتهم، أي إعتاقهم على عوض يدفعونه لمالكيهم.
- وتحريم البغاء الذي كان شائعا في الجاهلية.
- والأمر بالعفاف.
- وذم أحوال أهل النفاق والإشارة إلى سوء طويتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.
- والتحذير من الوقوع في حبائل الشيطان.
- وضرب المثل لهدي الإيمان وضلال الكفر.
- والتنويه ببيوت العبادة والقائمين فيها.
- وتخلل ذلك وصف عظمة الله تعالى وبدائع مصنوعاته وما فيها من منن على الناس.
- وقد أردف ذلك بوصف ما أعده الله للمؤمنين، وأن الله علم بما يضمره كل أحد وأن المرجع إليه والجزاء بيده. اهـ.

.قال سيد قطب:

التعريف بالسورة:
هذه سورة النور.. يذكر فيها النور بلفظه متصلا بذات الله: {الله نور السماوات والأرض} ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح؛ ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة. وهي آداب وأخلاق نفسية وعائلية وجماعية، تنير القلب، وتنير الحياة، ويربطها بذلك النور الكوني الشامل أنها نور في الأرواح، وإشراق في القلوب، وشفافية في الضمائر، مستمدة كلها من ذلك النور الكبير.
وهي تبدأ بإعلان قوي حاسم عن تقرير هذه السورة وفرضها بكل ما فيها من حدود وتكاليف، ومن آدابوأخلاق: {سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون}.. فيدل هذا البدء الفريد على مدى اهتمام القرآن بالعنصر الأخلاقي في الحياة؛ ومدى عمق هذا العنصر وأصالته في العقيدة الإسلامية، وفي فكرة الإسلام عن الحياة الإنسانية.
والمحور الذي تدور عليه السورة كلها هو محور التربية التي تشتد في وسائلها إلى درجة الحدود. وترق إلى درجة اللمسات الوجدانية الرفيقة، التي تصل القلب بنور الله وبآياته المبثوثة في تضاعيف الكون وثنايا الحياة. والهدف واحد في الشدة واللين. هو تربية الضمائر، واستجاشة المشاعر؛ ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة، حتى تشف وترف، وتتصل بنور الله.. وتتداخل الآداب النفسية الفردية، وآداب البيت والأسرة، وآداب الجماعة والقيادة. بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو العقيدة في الله، متصلة كلها بنور واحد هو نور الله. وهي في صميمها نور وشفافية، وإشراق وطهارة. تربية عناصرها من مصدر النور الأول في السماوات والأرض. نور الله الذي أشرقت به الظلمات. في السماوات والأرض، والقلوب والضمائر، والنفوس والأرواح.
ويجري سياق السورة حول محورها الأصيل في خمسة أشواط:
الأول يتضمن الإعلان الحاسم الذي تبدأ به؛ ويليه بيان حد الزنا، وتفظيع هذه الفعلة، وتقطيع ما بين الزناة والجماعة المسلمة، فلا هي منهم ولا هم منها. ثم بيان حد القذف وعلة التشديد فيه؛ واستثناء الأزواج من هذا الحد مع التفريق بين الزوجين بالملاعنة. ثم حديث الإفك وقصته.. وينتهي هذا الشوط بتقرير مشاكلة الخبيثين للخبيثات، ومشاكلة الطيبين للطيبات. وبالعلاقة التي تربط بين هؤلاء وهؤلاء.
ويتناول الشوط الثاني وسائل الوقاية من الجريمة، وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية. فيبدأ بآداب البيوت والاستئذان على أهلها، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم. والحض على إنكاح الأيامي. والتحذير من دفع الفتيات إلى البغاء.. وكلها أسباب وقائية لضمانة الطهر والتعفف في عالم الضمير والشعور، ودفع المؤثرات التي تهيج الميول الحيوانية، وترهق أعصاب المتحرجين المتطهرين، وهم يقاومون عوامل الإغراء والغواية.
والشوط الثالث يتوسط مجموعة الآداب التي تتضمنها السورة، فيربطها بنور الله. ويتحدث عن أطهر البيوت التي يعمرها وهي التي تعمر بيوت الله.. وفي الجانب المقابل الذين كفروا وأعمالهم كسراب من اللمعان الكاذب؛ أو كظلمات بعضها فوق بعض. ثم يكشف عن فيوض من نور الله في الآفاق: في تسبيح الخلائق كلها لله. وفي إزجاء السحاب. وفي تقليب الليل والنهار. وفي خلق كل دابة من ماء، ثم اختلاف أشكالها ووظائفها وأنواعها وأجناسها، مما هو معروض في صفحة الكون للبصائر والأبصار.
والشوط الرابع يتحدث عن مجافاة المنافقين للأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعة والتحاكم. ويصور أدب المؤمنين الخالص وطاعتهم. ويعدهم، على هذا، الاستخلاف في الأرض والتمكين في الدين، والنصر على الكافرين.
ثم يعود الشوط الخامس إلى آداب الاستئذان والضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء. وإلى آداب الجماعة المسلمة كلها كأسرة واحدة، مع رئيسها ومربيها- رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتتم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض، وعلمه بواقع الناس، وما تنطوي عليه حناياهم، ورجعتهم إليه، وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم.
وهو بكل شيء عليم. اهـ.